باكورة شجرة عام الخير: مبادرة بنك الإمارات للطعام
لا يخفى أن الإنسان العربي منذ فجر وجوده على هذه الأرض مجبول على الكرم والبذل. وأوضح صورة من صور هذا الكرم والسخاء: إطعام الطعام.
هذه خصلة أساسية في شخصية العربي، فإن لم تكن في جيناته الوراثية فلا شك أنها صفة مكتسبة من البيئة والثقافة والدين. وليس ثمة أكثر من الأمثلة على انتشار هذه العادات في قبائل العرب قبل الإسلام، والاحترام الذي حظي به أولئك الأفراد الذين استطاعوا أن يكونوا قدوة في التحلي بهذه الخصال والمكارم والسجايا الحميدة. ولا مساحة لسرد أمثلة وقصص وأشعار وأسماء (حاتم طي مثلاً).
جاء الإسلام وعدَّ إطعام الطعام تحديداً من صفات العبد المسلم وأثنى على أولئك الذين (يُطعمون الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا) (الإنسان: 8).
ويروى عن الرسول (صلى الله عليه وسلم) حديث يعرف الإسلام أنه إطعام الطعام، وعنه أيضاً: (خياركم من أطعم الطعام)، فضلاً عن أنه حض عليه بالأمر واللفظ ذاته (أطعموا الطعام).
هذه هي المكارم والخصال التي نهل من معينها المغفور له زايد الخير، ديناً وأخلاقاً وثقافة، ثم أعطاها هويتها الإماراتية وصبغتها المحلية، وأورثها قادة جاؤوا بعده، ونهجوا نهج الخير الذي اختطه لشعب هذه البلاد.
في هذه الأرض الخصبة بكل طيب من دين وثقافة وخلق، تضرب عميقاً جذور مبادرة سيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي.
ومن هذه الثقافة العريقة في إطعام الطعام، خاصة دون سواها من عادات السخاء والكرم، تأتي مبادرة "بنك الإمارات للطعام".
هذه هي ينابيع القيم الأصيلة التي استقت منها هذه المبادرة الإنسانية الشاملة.
وعلى يدي صاحب السمو، ترى كيف أن هذه السجية الحميدة والفضيلة المحمودة التي عرفها الإنسان العربي، منذ وعى وجوده، تتحول إلى مشروع من مشاريع العمل المؤسسي والوطني.
هكذا تتعدى مبادرة إطعام الطعام إطارها الفردي الضيق، بوصفها إحدى خصال الإنسان العربي المسلم، لتصبح مبادرة تظلل بمظلة خيرها الوفير العميم المغدق الملايين والملايين، وطنياً وإقليمياً وعالمياً.
هذه هي تباشير عام الخير والفصل الأول في كتاب هذا العام. ولك أن تتخيل ما يأتي بعد هذا الفصل من فصول.
نعم هي بداية الغيث، ولكنها بالتأكيد ليست قطراً، بل هطل وتهتان، ووابل وودق.
ربما تسأل عن أهمية هذه المبادرة. بإيجاز، أهميتها أكبر من أن يحيط بها "نظم من الشعر أو نثر من الخطب" (على رأي أبي تمام). يكفيك أن تتأمل الاضطرابات التي تعم الإقليم، لتعلم أعداد من هم بحاجة ماسة إلى ثمرات هذه المبادرة.
أما عن توقيت المبادرة، فلم تكن المنطقة والعالم في يوم من الأيام أكبر حاجة لهذه المبادرة منهما اليوم والآن.
باختصار، لا عجب أن يصبح يوم الجلوس يوماً تترقبه النفوس: المعسر والمضطر والمحتاج والفقير والمعوز والجائع.
وإن تعجب فاعجب:
كيف أن كل شيمة من الشيم العربية الأصيلة تصبح لدى سموه منظومة إنسانية متكاملة أو مؤسسة عالمية خيرية أو ظاهرة إنسانية دولية.
كيف أن فضيلة إنسانية تكتسب بعداً حضارياً وأممياً.
كيف يمكن ترجمة خلق حميد إلى ثقافة عطاء ومسؤولية اجتماعية.
ذلك سر من أسرار القيادة.
وذلك ما سوف تتكشف عنه صفحات كتاب عام الخير، يوماً بعد يوم، وفضيلة بعد فضيلة، ومبادرة بعد مبادرة.
لا أقول لننتظر ونر، بل أقول لنشارك ولنساهم ولنتطوع في مبادرة بنك الإمارات للطعام.